في علم النفس، يُعَدّ التعلق بالماديات والمكان جزءاً أساسياً من التكوين النفسي للإنسان، حيث يرتبط بحاجته الفطرية إلى الأمان والاستقرار. ووفقاً لنظرية التعلق العاطفي، تعتبر الممتلكات والأماكن امتداداً للذات، ويشعر الأفراد عند فقدانها كما لو أنهم فقدوا جزءاً من هويتهم. وقد طرح عالم النفس البريطاني جون بولبي مفهوم التعلق، موضحاً أن الإنسان يبحث عن روابط بالأماكن والأشخاص لتلبية مشاعر الانتماء والأمان. هذا ما يفسر مشاعر الفراغ والحزن العميقين التي تصاحب فقدان مكان عزيز، وقد يصل الأمر إلى الاكتئاب.
وفي هذا السياق، تقدم العالمة النفسية شيري توركل نظرية “مكانة الأشياء” التي تشرح العلاقة العاطفية بين الإنسان والممتلكات المحيطة به. وتقول توركل إن الأفراد يمنحون الأشياء قيمة رمزية ومعنوية، خاصة عندما تكون مرتبطة بذكريات أو مواقف معينة، مما يخلق رابطة عاطفية قوية تجعل فقدان هذه الممتلكات أمراً مؤلماً.
أما في الفلسفة، يتناول الفيلسوف الفرنسي بول ريكور مفهوم “الذاكرة المشتركة” التي تربط الأفراد ببعضهم البعض ضمن سياق اجتماعي وتاريخي. ويرى ريكور أن الأماكن التي تحمل ذكريات تاريخية لا تمثل أهمية لحاضر الأفراد فحسب، بل تمتد لتشكل ذاكرة جماعية عبر الأجيال. ويعتبر أن المباني ليست مجرد هياكل، بل هي شواهد ملموسة للهوية الثقافية والتاريخية، وأن تهديدها يُعتبر طمساً لوجود شعب بأكمله، مما يعرض المجتمع لخطر فقدان الذاكرة الجمعية والهوية.
كما قدم الفيلسوف الألماني مارتن هايدغر منظوراً أعمق عبر مفهوم “الوجود-في-العالم”، حيث يؤكد أن الوجود الإنساني يتحدد بارتباطه بمكان وزمان محددين. ويعتبر أن هذا الوجود المكاني جزء أساسي من الهوية الذاتية، وأن تدمير الأماكن المألوفة يمثل تهديداً مباشراً للهوية الفردية؛ مما يفسر مشاعر الغربة والانفصال التي تنتاب الأفراد عند فقدان الأماكن التي تمثل جزءاً من ذاتهم ومعنى وجودهم.
ويأتي عالم النفس النمساوي فيكتور فرانكل ليقدم رؤية إضافية حول كيفية تعامل الأفراد مع فقدان الأماكن والممتلكات التي تحمل قيمة معنوية. ففي نظريته عن “العلاج بالمعنى”، يرى فرانكل أن الإنسان قادر على تجاوز الفقد إذا وجد معنى أعمق لحياته يتجاوز الخسائر المادية. وبهذا، يصبح الأفراد الذين يتمسكون بقيم عليا مثل الحرية والكرامة قادرين على مواجهة المحن دون أن تتأثر هويتهم الأساسية.
في المقابل، يمثّل المناضلون المدافعون عن أرضهم حالة استثنائية، إذ ينطلقون من إيمان يتجاوز المحدوديات البشرية العادية. هؤلاء الأبطال يستمدون قوتهم من قيم دينية وإيمانية عميقة تمنحهم القدرة على تجاوز الحزن على خسارة الأماكن أو الممتلكات، لأنهم يرون في التضحية سبيلاً لتحقيق أهداف أسمى. ويتجلى هذا في قول الله تعالى: “الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل”، حيث تجسد الآية روح الصمود والإيمان التي تتعالى على كل خسارة مادية.
وبناءً على ذلك، وعلى الرغم من أن التعلق بالمكان والممتلكات يُفسَّر من خلال نظريات علم النفس والفلسفة، إلا أن المناضلين يتبعون منظومة قيم إلهية ترفعهم فوق قيود المادة. فهم ينظرون إلى العالم برؤية روحية أعمق، ويعتبرون التضحيات جزءاً من تجربة إيمانية تضفي على حياتهم معنىً سامياً لا تستطيع أي خسارة مادية أن تنال منه.